أين هم الرجال؟
يعود رمضان النصر بانتصاراته المدوية، وقيادته الفذة، وإيمان رجال التفوا حول قدوتهم باذلين الروح والنفيس والغالي، في يوم كيومنا هذا حمل السابع عشر من رمضان وسام نصر مؤزر حققه المسلمون بغزوة بدر لتكون كلمة الله هي العليا تحقق النصر لـ 313 رجلا من المسلمين على 950 رجلا من المشركين جاءوا بعتادهم وعدتهم آملين في نصر ساحق، لتكون المفاجأة الكبرى والدرس العظيم الذي يقول العبرة بقوة قلوب الرجال وما تحمل من إيمان وعشق للفداء والتضحية.
اليوم تعود نفحات نصر السابع عشر من رمضان لتستحضر تاريخا خالدا من تواريخ النضال، والبطولة، والصبر بقيادة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه، واستحضر صورة ثلاثمائة رجل ونيف من المسلمين وهم يجهزون أرواحهم لتكون كلها مشاريع شهادة نصرة لكمة التوحيد، وراية الاسلام، أتمثل شوقهم للوفاء بعهدهم ووعدهم تاركين الأهل والولد، راغبين في نصر أو شهادة، يحدوهم الأمل في أن ترجح كفة الشهادة ليكونوا مع الصديقين والشهداء، أتمثل قوة إيمان أرسخ من الجبال الشم، ترفدها عقيدة بأن النصر من عند الله لابد آت لمن أخلص الايمان بـ «لا إله إلا الله» اليوم والذكرى العطرة تعود نسترجع سجل شرف الأمة بصدر الإسلام وقد كانوا رجالا اشتروا حرث الآخرة دون تردد، ودون خوف أو جزع.
اليوم أتمثل قافلة أبو سفيان وقد أقبلت بينما الرسول الكريم يقول لأصحابه «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها» واستشعر هزة أبو سفيان وقد أدرك ان القافلة في خطر فطلب مددا ثم ألغاه وقد غير مسار القافلة، لكن المقدر وقع بعد أن صمم صناديد قريش على المبارزة والقتال قبل أن يحمى وطيس المعركة، أتمثل الفريقين وقد جاء أحدهما بكبريائه وغروره وصلفه وكفره، بينما الفريق الثاني قد جاء بتوحيده وإيمانه وحقه ليشتد أوار المعارك، وتهزم فئة قليلة فئة كثيرة، وقد أمد الله جيش المسلمين المتواضع القليل بعدته الكثير بإيمانه، الصغير في عدده، الكبير في ولائه لنصرة لا إله إلا الله أتأمل، أتصور، الى آخر المعركة، وحتى النصر المؤزر بشهداء في الجنة أحياء عند ربهم يرزقون، ومشركين في نار جهنم جزاء وفاقا لرؤوس الكفر وأذنابه.
استعيد حكاية النصر وروعة القائد وبذل الرجال اسمع المقدام بن الأسود وهو يقول لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم قبل المعركة «امض لما أمرك به ربك فوالله لانقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب انت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن نقول لك اذهب انت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
واسمع سعد بن معاذ وهو يقول صادقا «يارسول الله آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد.
اسمع رجالا يلهجون بشهادة التوحيد، تمتلئ قلوبهم بحب الله ورسوله، تفيض أرواحهم بسكينة لا تنمو الا حيث كان الايمان خالصا زلالا، أتمثل شجاعة التوحيد وما تفعل بالرجال، وتمر على مخيلتي صورة عبيدة بن الحارث، وحمزة بن عبدالمطلب، وعلي بن أبي طالب وهم يبارزون صناديد قريش عقبة بن ربيعة واخاه شيبة، وابنه الوليد، ليصرعوهم جميعا ويعلو التكبير وتطمئن قلوب الموحدين بوعد الله.
استعيد صورة نقية للإسلام، والإيمان، والفداء، ونصرة نبي على الحق جاء، ويمر بخاطري ما نحن فيه من خنوع ومذلة، واستكانة، وضعف، وضياع لعزة من المفروض ألا تمس، يمر بخاطري الضعف، والركون إلى الأرض، والتفلت من الدين، واستعذاب السجود لغير الله الذي مكن عدونا من الاستقواء، والتنكيل بنا، والاجتراء على مقدساتنا، واهانة حرماتنا والاستهزاء بعقائدنا وكتابنا، أتأمل بحزن حالنا المتردي من سيء إلى أسوأ، وهواننا على الناس وكنا سادة الأمم، أتأمل انكساراتنا بعد انتصاراتنا فيشرق في روحي أمل بمسلمين جدد، يكونون على قلب رجل واحد يقول اليوم كما قال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر «اللهم هذه قريش، اللهم هذه إسرائيل قد أتت بخيلائها تكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم فلن تعبد في الأرض».
يشرق في روحي أمل برجال يؤمنون بالله ورسوله ودين الحق، يجددون البيعة، والعهد، والدعاء والنصر، فأين هم الرجال؟ أين هم الرجال؟؟!